خرافة القائد العظيم.. كيف تنجح الشركات؟
23 أكتوبر، 2019هل الربح هو أساس الشركات؟
23 أكتوبر، 2019
“يوريكا.. يوريكا.. وجدتها.. وجدتها”، هكذا صاح، بعد أن تولدت في خاطره فكرة مشروع صغير، غير مسبوق بعد ما أقنع نفسه بذلك. لم ينشغل بكيفية
إخراج الفكرة إلى حيز التنفيذ، بل شغله خشية قيام آخرين بسرقتها وتنفيذها. هذا ما رأيته كثيرًا، من رواد أعمال يعيشون صراعًا متناقضًا؛ إما بحبس
الفكرة في الأدراج خوفًا من سرقتها، أو إطلاق سراحها؛ ما يجعلها عُرضة لاقتناصها من آخرين.
لكن لماذا يخشى رائد الأعمال، الإفصاح مبكرًا عن فكرته؟!، ربما لأنه ليس بحوزته سوى فكرته، ولا يمتلك غيرها من مقومات المشروع؛ مثل التمويل،
وفريق العمل، والعملاء المحتملين، والأسواق المستهدفة، وغيرها من المقومات والأسباب.
إن الفكرة الرائعة ليس لها قيمة، طالما بقيت حبيسة الأدراج، فقيمتها الحقيقية تظهر حينما تخرج إلى حيز التنفيذ منتجًا أو خدمةً تغزو الأسواق؛ لذلك
أؤمن دومًا بأن أفضل حماية لفكرتك هي “تنفيذها”، فلا تُضيع وقتًا طويلًا، فلمعظم الأفكار تاريخ صلاحية، وما يصلُح تنفيذه اليوم، قد لا يصلح غدًا.
يزعُم معظم من عرضوا أفكارهم، أنها غير مسبوقة، بينما الواقع بخلاف ذلك؛ إذ يتجاهلون أنه ربما فكر شخص ما، في مكان ما من العالم، وفي زمن
سابق، بنفس الفكرة، سواء أدركنا ذلك، أو لم ندركه.
كذلك، ليس تنفيذ الفكرة بالأمر الهين، وربما يتطلب مزيدًا من التجريب، أو الاحتضان لسنوات؛ لضمان خروج الفكرة أو المنتج إلى حيز التنفيذ بنجاح،
ففكرة عظيمة وناجحة؛ مثل جوجل لم تكن غير مسبوقة، بل سبقها من محركات البحث ويب كراولر، ولايكوس، وألتافيستا، وياهو، وإكسايت، وأسك
جيفز وغيرها، لكنَّ البقاء كان لمن استفاد من أفكار سابقيه وطورها، وبنى عليها أدوات ونماذج ناجحة.
السؤال هنا: كيف تعرض فكرتك على الآخرين؟! الإجابة في مقال سابق بعنوان “دقيقة بالمصعد”، عرضت فيه ثماني نقاط يجب تغطيتها في
ثلاث أو خمس دقائق، عند عرض فكرتك على المستثمرين، ولجان تحكيم المسابقات، والذين قد ورد لهم غالبًا أفكار أخرى مماثلة لفكرتك.
من المهم أن تبذل بعض الجهد؛ لتتأكد من وجود مشروعات مشابهة، أو بديلة لفكرتك، فلا يعيبك أن يكون لك منافسون، بل العيب ألا تطور نموذجًا لتلافي
العيوب والأخطاء التي وقعوا فيها.
اعرض فكرتك، بشكل إجمالي، ولا تتحدث في التفاصيل الدقيقة، فقد قال العرب: “المعنى في بطن الشاعر”، وقال الغرب: “الشيطان يكمُن في
التفاصيل”. مثال: عندما يكون لديك فكرة حول تحسين أداء مُكيف السيارة، فلا تشرح الآلية وطبيعة الأجهزة والمعدات، بل ركز على بيانات؛ مثل: أرقام
ونِسب التوفير في الطاقة، واستهلاك الوقود، ودرجة الحرارة، دون ذِكر كيفية ذلك من الناحية الفنية. دعهم يسرقون فكرتك، فلن يستطيعوا تنفيذها بدونك.
احرص على التعامل مع من تعرض عليهم فكرتك بصورة مكتوبة؛ عبر البريد الإلكتروني، والواتس آب، والماسنجر، وغيرهم إن أمكن؛ فذلك الخطاب
سيكون بمثابة إثبات رسمي لما دار بينكم.
أذكر أنني في مايو 2002 ، أعددت كتابًا بعنوان: “دليل الاختراعات وفرص الاستثمار”، تضمَّن 173 اختراعًا وابتكارًا وفكرةً مقرونة بصُوَر أصحابها
ووسائل الاتصال بهم؛ لحمايتهم جزئيًا؛ إذ تحفظ هذه المطبوعة حقوقهم وملكيتهم الفكرية لستة أشهر؛ حتى يتسنى لهم تسجيلها، والتقدم للحصول على
براءات الاختراع لما يستحق من تلك الأفكار والابتكارات.
لا أتفق مع من يبيح لنفسه القرصنة، أو سرقة أفكار غيره، وأُذكره بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: “إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلا مِنْ ثَلاثٍ:
صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَه”، وقد ذكر العلماء أن العِلم الذي يُنتفع به بنص الحديث الشريف هو من عمل الإنسان نفسه، وليس
من غيره، وإذا كان يبقى له أجره في الآخرة، فكذلك ينبغي إذا كان له مستحقات دنيوية أن تبقى له أو لورثته من بعده؛ فهذا الحديث يمكن الاعتماد عليه
في تأصيل مسألة حماية الأفكار وحقوق الملكية الفكرية.