متى تلجأ لتغيير الموظفين؟
19 سبتمبر، 2018كيف تجعل جمهورك للتعاطف مع منتجك؟
25 سبتمبر، 2018
كنت أعمل في ورشة كبيرة لنشر الأخشاب، قضيت فيها أحلى سنوات عمري؛ إذ كنت شابًا قويًا قادرًا على الأعمال الخشنة الصعبة، ولما بلغت الأربعين
من عمري أصبحت ذا شأن في عملي.
وذات يوم، حدثت مفاجأة غيرت حياتي، عندما طلب رئيسي في العمل- ودون مقدمات- مغادرة الورشة نهائيا وبلا عودة!. حينها خرجت إلى الشارع بلا
هدف، وبلا أمل، وتتابعت في ذهني صور الجهد الضائع الذي بذلته طوال سنوات من عمري، ساهمت خلالها في تطوير الورشة، ثم بين عشية وضحاها
ضاع كل شيء دون أي تقدير لمجهودي الهائل في العمل!.
يالأسفي الشديد لما بذلته لمن لا يستحق، لقد أصابني الإحباط واليأس، وأحسست وكأن الأرض قد ابتلعتني؛ فقد أغلق في وجهي باب الرزق الوحيد الذي
عملت به طيلة حياتي، وزاد من قدر الإحباط، أنه لم يعد لدي أنا وزوجتي أي مصدر رزق، فلم أكن أدري ماذا أفعل؟!.
عدت إلى البيت، وأبلغت زوجتي بما حدث، فقالت لي: وماذا نفعل؟ فقلت: سأرهن البيت الصغير الذي نعيش فيه، وأعمل في مهنة البناء. وبالفعل كان
مشروعي الأول هو بناء منزلين صغيرين، بذلت فيهما كل جهدي وطاقتي، ثم توالت المشاريع الصغيرة وكثرت؛ حتى أصبحت متخصصًا في بناء المنازل
الصغيرة، وبعدها بخمسة أعوام من الجهد المتواصل، أصبحت مليونيرًا شهيرًا.
كانت تلك السطور جزءًا من مذكرات ” والاس جونسون “؛ الرجل الذي أنشأ وبنى سلسلة فنادق “هوليدي إن”، ثم أنشأ عددًا هائلًا من الفنادق وبيوت
الاستشفاء حول العالم. وكان مما قاله في مذكراته الشخصية: “لو علمت الآن أين يقيم رئيس العمل الذي طردني من ورشته، لتقدمت إليه بالشكر العميق
من أجل ما صنعه لي، فَعندما حدث هذا الموقف الصعب تألمت جدًا ولم أفهم لماذا، أمَّا الآن فقد أدركت أن الله أغلق في وجهي بابًا؛ ليفتح أمامي طريقًا
أفضل لي ولأسرتي”.
.
طاقات ومواهب
كم من طاقات ومواهب هائلة دُفنت أو بقيت خاملة تحت ركام وظائف محدودة وتقليدية، أو أعمال بالية، توهَّمنا أنها كل ما يمكن أن نؤديه في حياتنا،
وأننا لا نجيد غيرها. وهنا، تبرز أهمية الألم في حياتنا، فكم من بدايات محرقة انتهت بأصحابها إلى نهايات مشرقة!.
يجدر بنا أن ندرب أنفسنا ونحثها دائمًا على استثمار اللحظات القاسية ونقاط الانكسار والفشل التي نمر بها بين الفينة والأخرى، فما أجمل الحكمة القائلة:
“إنَّ الفشل يحمل في طياته بذورًا متنوعة للنجاح، فقط لو وجدت هذه البذور الأرض الصالحة للزراعة”.
.
شرارة البداية
إنها دعوة لي ولك – عزيزي القاريء- لإعادة التفكير في مجريات حياتنا السابقة، ومراحل الانكسار التي مررنا بها، وكم كان بها من عطايا أنقذنا بها
الخالق الجليل سبحانه وتعالى من ملمات جسام، لم ندرك حكمتها إلا بعد حين.
ولعل من أهم الأمور التي يجب أن نتعلمها في هذا الصدد، أن الفشل في أمر ما ليس نهاية المطاف، بل قد يكون شرارة البداية لحياة أجمل وأفضل، لابد
أن نتعلم مهارة استثمار كل فشل نواجهه؛ ومن ذلك الرجوع لذواتنا، ومعرفة المواهب والطاقات الكامنة فينا، وحسن استغلالها واستثمارها مباشرة،
ودون تردد أو خوف، وبكل ما نستطيع من جودة وإتقان.
.
جوانب إيجابية
وما من شك في أنَّ الفشل أمر قاس ومؤلم، ولكنه بالتأكيد يحمل في طياته جوانب إيجابية، ولكي نستثمر الفشل ونحوله إلى نجاح، ينبغي النظر إلى جميع
جوانب الفشل السلبية والإيجابية، وألا نوهم أنفسنا بأنه لا يوجد أي شيء إيجابي في الفشل، الذي قد يكون سببًا في تغيير مجال العمل؛ لننجح في آخر،
بل قد يكون الفشل في الحب هو البداية للحصول على الحب الحقيقي، وهكذا.
.
متعة الفشل
ومن الأمور النافعة في هذا الصدد، أن نحاول إنقاذ ما يمكن إنقاذه واستثماره لبداية حياة جديدة وممتعة، فمتعة الفشل لا يتذوقها المغموسون في الهموم
والأحزان؛ تلك التي تكمن في التعرف أكثر على قدراتنا، وما نستطيع فعله وما لا نستطيع، كما تكمن متعة الفشل أيضًا في تقدير النجاح وأهميته؛ فنصبح
بذلك أكثر إصرارًا للوصول إليه؛ إذ لو لم نذق مرارات الفشل، ما قدَّرنا طعم النجاح.
والتفكير الإيجابي هنا، أن ندرك جيدًا أنَّ الفشل بداية النجاح، وأن نتعلم كيف نستثمر هذا الفشل لحياة أجمل، وأنَّ بعد نفق الفشل المظلم، نور النجاح
الذي يلوح من بعيد من نهاية ذلك النفق .
.
العزيمة والإصرار
وأخيرًا، لنعلم أن الحياة لا تستحق أن نموت حزنًا عليها؛ إذ يمكننا أن نكون أفضل بالعزيمة والإصرار، وليس هناك أصدق استدلالًا على الخير الكامن
وراء كل لحظة من لحظات الانكسار التي تمر بنا من قول الحق سبحانه وتعالى: ” وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ
لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ )، وأن الله لا يجمع بين عسرين، بل يقينًا يُتبع كلَّ عسرٍ يسرين.